كيسر.. للإشعاع الصوفي
يتقاطع ما أثاره المهندس المعماري قيصر رحال مع ما يسجله التاريخ عن البلدة كمحطة إشعاع صوفي، وهي وظيفة أخرى انضافت إلى الوظائف التي كانت تلعبها المنطقة كمدينة توجد وسط الطريق الرابطة بين مراكش والرباط والأندلس، فقد روت كتب التاريخ أن كيسر كانت توفر الشغل للوافدين من المناطق المجاورة لِما كانت تتوفر عليه من فرص العمل في الحقول والمزارع والصناعة التقليدية والحرف.
وللإشارة فان اسم «إجيسل»، ذا الأصل الأمازيغي، جاء ذكره في الفتوحات المكية لمحي الدين بن عربي، وهي المكان الذي وقع فيه الفتح الأكبر للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، وهو مقام القرب الذي هو بين الصديقية والنبوة، وهو في طريق رحلته من الأندلس إلى مراكش، في عهد الدولة الموحدية، عبر الممر، وهي الطريق الداخلية التي استعملها، بدورها على ما يبدو، لسان الدين بن الخطيب في رحلته، التي سجلها في كتابه «نفاضة الجراب وعلالة الاغتراب»، والتي سجل فيها مشاهداته في تامسنا (1313 و1376 م) حيث خرج من سلا قاصدا مراكش، سالكا الطريق الداخلية، ولما عاد، رجع من آسفي إلى الرباط، عبر الطريق الشاطئية.. وفي طريقه الداخلية، مر عبر «ماغوس»، التي سماها بعض الرحالة «الكارة»، ثم منها إلى «البروج»، وهو ما يتطلب -حسب بعض الباحثين- دراسات أركيويولوجية معمقة للتعرف على مسالك ومحطات الطريق الداخلية التي كانت تستعملها القوافل في رحلاتها من الشمال إلى الجنوب. ومما جاء في كتاب «الفتوحات المكية» لابن عربي، نقرأ قوله: «هذا المقام دخلته في شهر محرم، سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وأنا مسافر بمنزل إبحيسل ببلاد المغرب، فتهت به فرحا ولم أجد فيه أحدا، فاستوحشت من الوحدة وتذكرت دخول أبي يزيد بالذلة والافتقار، فلم يجد في ذلك المنزل من أحد، وذلك المنزل هو موطني فلم أستوحش فيه، لأن الحنين إلى الأوطان ذاتي لكل موجود وأن الوحشة من الغربة، ولما دخلت هذا المقام وانفردت به وعلمت أنه غذا دخل علي أحد أنكرني، فبقيت أتتبع زواياه ومخادعه ولا أدري ما أسمه مع تحققي به وما خص الله به من أتاه إياه، ورأيت أوامر الحق تترى علي وسفراءه تنزل إلي وتبتغي مؤانستي وتطلب مجالستي، فرحلت وأنا على تلك الحالم، الاستيحاش بالانفراد والأنس إنما يقع بالجنس، فلقيت رجلا من الرجال بمنزل يسمى آنحال، فصليت العصر في جامع، فجاء الأمير أبو يحيى بن واجتن وكان صديقي وفرح بي وسألني أن أنزل عنده، فأبيت ونزلت عند كاتبه، وكانت بيني وبينه مؤانسة فشكوت إليه ما أنا فيه من انفرادي بمقام أنا مسرور به، فبينما هو يؤانسني إذ لاح لي ظل شخص فنهضت من فراشي إليه عسى أجد عنده فرجا فعانقني فتأملته فإذا به عبد الرحمن السلمى قد تجسدت لي روحه بعثه الله الى رحمة ربي»..
جعلت هذه الحادثة الصوفية القيّمين على الشأن المحلي في الجماعة يفكرون في تأسيس تقليد إحياء ذكرى الشيخ العلامة محي الدين بن عربي سنويا في برنامج لرحلة الشيخ إلى إيجيسل، تشمل عدة فقرات، تتوزع بين الأمداح والسماع الصوفي والندوات العلمية، بحضور أساتذة وباحثين ومريدي صوفية ابن عربي، علما أنه وتعزيزا للدور الديني في المنطقة وتأريخا لهذا الحدث، فقد تم وضع الحجر الأساس سنة 2007 من قبل وزير رالأوقاف والشؤون الإسلامية ووالي جهة الشاوية ورديغة آنذاك من أجل بناء مركـّب ديني يضمّ مسجدا ومكتبة ومركزا للبحث حول مخطوطات وكتب شخصية هذا العلامة الكبير.
محي الدين بن عربي
هو محمدُ بن عليّ بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي، ويلقب بمحيي الدين، ويُكنـّى أبا عبد الله وأبا بكر ويُعرف بالحاتمي أو الطائي وبابن عربي في المغرب، وفي الأندلس بابن سراقة، كما يُدعى «سلطان العارفين» و«إمام المتقين» وغيرها من ألقاب التبجيل والتشريف.. من مواليد ليلة الاثنين، في السابع عشر من شهر رمضان سنة 560 للهجرة (26 يوليوز 1165 ميلادية) في مدينة «مُورسِية»، شرق الأندلس، زار المغرب وتونس عدة مرات، حيث حصل في مدينة فاس على «مقام الأنوار»، كما شرّف منطقة كيسر بمكوثه فيها عدة أيام، حيث حصل فيها على أكبر لقب، لم يسبق أن حصل عليه في أي مدينة أو دولة عربية، وهو لقب «مقام القربة» في التصوف، ثم ارتحل إلى المشرق للحج سنة 598 -1201م.
مول الكرمة
على الجانب الأيسر من مركز كيسر يتواجد ضريح للولي الصالح «مول الكرمة» (سيدي محمدالركراكي). حاولنا استيقاء معلومات بشأنه لكننا لم نجد إجابة شافية، وارتباطا بذلك، أفاد محمد لخويلي، وهو فاعل جمعوي وابن المنطقة، أن مول الكرمة كان يُشكـّل بالنسبة إليه، دائما، مزارا وقبلة للسكان والقبائل المجاورة، يقصدونه للتبرك، خاصة النساء منهم.. ولكن الفاعل الجمعوي، بدوره، يجهل من هو «مول الكرمة»، ويعتبر أن الحديث الدائر اليوم حول كيسر فرصة للتنقيب في التاريخ وإخراج ما تزخر به بلدة كيسر من أسرار موغلة في القدم.. يمكنها أن تـُشكـّل، بعد تأسيس موسم محي الدين بن عربي، قطبا سياحيا صوفيا وملاذا للباحثين عن القيّم الروحية والدينية.
إلى وصلتي لكيسرْ دور عْلـّيسـرْ..
تختلف الروايات والتفسيرات حول لازمة «إلى وصلتي لكيسر دور علـّيسرْ»،التي طالما تغنى بها فنانو الأغنية الشعبية، فمن التأويلات السائدة أن القادم من مدينة مراكش عبر «البروج»، قبل أن تطأ قدماه مركز كيسر، يجد على يساره الولي الصالح «مول الكرمة» وعين كيسر.. حيث الأشجار المثمرة والحديقة الخضراء، التي تـُشكـّل ملاذا للراحة والاستجمام بوجود مياه متدفقة، فيجد عابر الطريق باحة للاستراحة من عناء الطريق، المتعبة، ليكمل طريقه إلى شمال
المغرب
وإذا كان العابر قادما من مدينة سطات نحو البروج، تحكي الروايات أن قبة كانت توجد على اليسار، وهي قبة سيدي أحمد، وهو حاكم وقائد في عهد الاستعمار، اشتهر بعدله وبصلابة رأيه. وتضيف الحكاية أنه اغتيل على أيدي مجهولين، ولهذا فإن التفسيرات توزعت بين «مول الكرمة» وقبة سيدي أحمد وأن الوافد على مركز كيسر كان لا بد له أن «يْدورْ عْـلـّيسرْ».. للوقوف إما للاستراحة من عناء الطريق أو لزيارة قبة سيدي أحمد
|